رئيس وزراء الهند في ختام زيارة السعودية: لا يمكن
لغرب آسيا والعالم تحمل «فوضى جديدة»
الرياض: تركي الصهيل
حضرت
قضايا منطقة الشرق الأوسط، بشكل قوي، في الخطاب الذي
ألقاه رئيس وزراء الهند منموهان سينغ، أمام مجلس
الشورى السعودي أمس، وشكلت القضية الفلسطينية، والوضع
في أفغانستان، والعلاقات مع باكستان، محورا هاما في
الشق السياسي من خطابه. وشدد رئيس الوزراء الهندي
على أن منطقة غرب آسيا والعالم لا يمكن أن تتحمل «فوضى
جديدة»، معتبرا أن القضية الفلسطينية «أهم قضية لسلام
المنطقة واستقرارها».
وأعلن منموهان سينغ عن تأييد الهند لمبادرة السلام
العربية التي تقدم بها خادم الحرمين الشريفين لقمة
بيروت العربية، ولقيت توافقا من جميع العرب، والتي
تهدف لـ«إيجاد تسوية عادلة».
وقال رئيس الوزراء الهندي في خطابه إنه «ليس ثمة قضية
أهم لسلام المنطقة واستقرارها من قضية فلسطين لأن
الشعب الفلسطيني الشجاع قد حُرم منذ فترة طويلة حقوقه
المشروعة والعادلة وغير القابلة للتحويل، وأهمها إنشاء
دول فلسطينية قابلة للحياة ومستقلة وذات سيادة».
وأكد تأييد الهند الثابت والمستمر والقائم على المبادئ
حكومة وشعبا لكفاح الشعب الفلسطيني. وقال: «ما زالت
الهند تقدم إسهامات في تنمية الاقتصاد الفلسطيني
ومواردها البشرية، وسنواصل تقديمها».
وأكد رئيس وزراء الهند على الأهمية التي تكتسبها منطقة
غرب آسيا، والتي قال إنها «جزء حيوي ومهم من جيران
الهند»، مضيفا أن لدى بلاده «أواصر وطيدة وعميقة مع
دول الخليج واهتمام كبير بالسلام والاستقرار في
المنطقة»، وشدد على أنه «لا يمكن للمنطقة ولا للعالم
أن تتحمل فوضى جديدة».
وأعرب الضيف الهندي عن الأمل بأن «يسود التعقل»، وأمل
أيضا أن يسيطر الحوار على المجابهة في تسوية الصراعات
والخلافات.
بدوره، شخص الدكتور عبد الله آل الشيخ رئيس مجلس
الشورى السعودي، جوهر الصراعات التي يشهدها العالم هذه
الأيام. وقال إن «ما يشهده العالم اليوم من صراعات
مختلفة تهدد أمنه وسلامته وقضايا دولية كبيرة لم تجد
طريقها إلى الحل إنما هو بسبب عدم الانصياع لقرارات
الأمم المتحدة والالتزام بالقوانين الدولية».
ولفت رئيس الشورى السعودي النظر إلى «استمرار التعنت
الإسرائيلي إزاء مبادرات السلام التي يطلقها العرب
وآخرها مبادرة السلام العربية التي أطلقها خادم
الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز
وتبنتها جامعة الدول العربية عام 2002م».
وأضاف: «رغم مضي نحو ثماني سنوات على إطلاق هذه
المبادرة فإن إسرائيل تستمرئ العدوان، وتشعل التوتر في
المنطقة، وتعرقل جهود السلام»، مشيدا بمواقف الهند
تجاه القضايا الدولية، مؤكدا أن نهجها «سيسهم في
الجهود الرامية لإحلال الاستقرار والسلام في ربوع
العالم».
وعن العلاقات بين الرياض ودلهي، أكد رئيس الوزراء
منموهان سينغ، أن بلاده تعتبر السعودية «عمود
الاستقرار في منطقة الخليج»، مشيدا بالخطوات السريعة
والشاملة التي اتخذتها الرياض بقيادة خادم الحرمين
الشريفين «نحو التحديث فيما يمتد نفوذها اليوم إلى
أبعد حدود المنطقة».
وأعاد إلى الأذهان أسس علاقات السعودية والهند في
العصر الحديث، وذلك خلال زيارة الملك سعود بن عبد
العزيز إلى الهند عام 1955م، وزيارة دولة رئيس الوزراء
الأسبق جواهر لال نهرو إلى المملكة عام 1956م.
وقال الضيف الهندي إن «هذه الأسس تعززت من خلال
الزيارة التي قامت بها دولة رئيس الوزراء أنديرا غاندي
إلى المملكة العربية السعودية عام 1982م».
ولفت إلى أن مجال العلاقات بين الرياض ودلهي، اتسع في
القرن الواحد والعشرين من خلال الزيارة التاريخية التي
قام بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد
العزيز آل سعود إلى الهند في يناير (كانون الثاني)
2006م، مؤكدا أن مشاركة خادم الحرمين الشريفين ضيفا
رئيسا في الاحتفالات بمناسبة عيد الجمهورية للهند كانت
موضع شرف واعتزاز كبيرين لشعب الهند.
وقال إن «إعلان دلهي الذي وقعته أنا مع خادم الحرمين
الشريفين يسجل رؤيتنا المشتركة لإقامة علاقة جديدة قد
قام بلدانا بالتعهد للعمل ليس فقط من أجل التنمية
والازدهار لشعوبنا وأيضا من أجل الأمن والسلام في
المنطقة بأسرها».
وتطرق رئيس وزراء الهند، إلى طبيعة المباحثات التي
عقدها مع الملك عبد الله بن عبد العزيز في الرياض خلال
اليومين الماضيين، وقال إن «مناقشاتي مع خادم الحرمين
الشريفين في اجتماعاتي مع القادة البارزين في هذا
البلد العظيم قد أدت إلى إعادة التأكيد لعلاقاتنا
الوثيقة ومصالحنا المشتركة واتفقنا على منح علاقاتنا
طبيعة استراتيجية ولقد وضعنا خارطة طريق للتعاون
الاقتصادي والسياسي والأمني الثنائي التي ستكون قاعدة
ثابتة لعلاقاتنا في السنوات القادمة».
وأبدى سينغ ثقته بالاقتصاد السعودي، وقال بعد حديثه عن
التطورات الاقتصادية الهائلة التي تعيشها بلاده الهند،
«في نفس الوقت إن المملكة العربية السعودية أيضا نفسها
تشهد نموا ملموسا حيث قد ترجمت رؤية قادتها المتمثلة
في تحديث وتنويع اقتصادها إلى أرض الواقع».
وركز رئيس الوزراء الهندي على إمكانيات التعاون بين
البلدين ووصفها بأنها هائلة مبنية على قدرات البلدين
المتأصلة وأوجه التكامل التي تحظى بها.
وكشف عن السعي لاستثمار سعودي في العديد من القطاعات
مثل البنية التحتية والصناعة وقطاع الخدمات والضيافة،
مبينا أن الصناعة الهندية مستعدة كذلك للاستفادة من
الفرص المتعددة المتاحة في قطاعات تقنية المعلومات
والصيرفة والاتصالات والصيدلانية والهيدروكربونات في
السعودية.
وعن حجم العلاقة التجارية مع الرياض، لفت رئيس وزراء
الهند إلى أن الرياض «هي إحدى أكبر الشركاء التجاريين
للهند حيث سجلت التجارة الثنائية نموا لا مثيل له في
السنوات الأخيرة فتجاوزت 25 مليار دولار أميركي في
2008 - 2009، فيما تتواصل الجهود في البحث عن السبل
والوسائل لتوسيع نطاق تعاوننا التقليدي الوثيق في قطاع
الطاقة». وثمن الضيف الهندي عاليا، للسعودية، ما تحظى
به الجالية الهندية وكذلك الحجاج الهنود من ضيافة
وترحيب حارَّين، لافتا إلى أن رعايا بلاده في السعودية
يصلون إلى 1.8 مليون نسمة، وهي أكبر جالية هندية في
الخارج، فيما يقوم 165 ألف حاج هندي بأداء فريضة الحج
سنويا وهو ثاني أكبر تجمع من أي دولة واحدة كما أن
عددا مماثلا يؤدون مناسك العمرة سنويا.
وأكد رئيس الوزراء الهندي أن بلاده تواجه اليوم، تهديد
التطرف والعنف والسعي وراء الإرهاب، معتبرا أن
أفغانستان تعتبر التحدي الأكبر، حيث إن الشعب الأفغاني
واجه معاناة منذ فترة طويلة وهم يستحقون بيئة أمن
وفرصة مواصلة حياة الكرامة والأمل.
وقال إن حكومة أفغانستان تحتاج إلى دعم وتأييد المجتمع
الدولي من أجل إحلال السلام وتنمية البلاد، مؤكدا على
أنه «لا بد للمجتمع الدولي أن يدعم طوائف المجتمع
الأفغاني كافة التي ترغب في العمل من أجل بروز
أفغانستان، دولة حديثة ومستقرة وذات سيادة، يجب أن لا
توفر ملاذا آمنا لأولئك الذين يشجعون العنف والإرهاب
وعدم الاستقرار في البلاد».
وعن شكل العلاقة مع باكستان، قال سينغ إن الهند «ترغب
في التعايش بسلام وصداقة مع جيرانها». وأضاف: «أعتقد
أنه يجب على دول جنوب آسيا كافة أن تعمل من أجل تحقيق
الرؤية المشتركة للسلام والتنمية الشاملة للمنطقة».
وأضاف: «إننا نسعى إلى علاقات التعاون مع باكستان
وهدفنا هو السلام الدائم لأننا نعترف بأن مستقبلا
مشتركا يربطنا، وإذا كان بين الهند وباكستان تعاون
فستكون الفرص الواسعة متاحة في مجال التجارة والسفر
والتنمية، الأمر الذي سيؤدي إلى الازدهار والرخاء في
كلا البلدين وكذلك في جنوب آسيا بأسرها، ولكن لتحقيق
هذه الرؤية يجب على باكستان أن تعمل بشكل حاسم ضد
الإرهاب».
وأكد أنه إذا تعاونت باكستان مع الهند لن تكون هناك
مشكلة لن يتمكنا من حلها كما يمكن أن يقطعا شوطا
إضافيا لفتح صفحة جديدة في العلاقات بين دلهي وإسلام
آباد.
وختم رئيس الوزراء الهندي بالقول: «نعيش اليوم في عالم
تنسجم فيه مصالح الشعوب والدول بعضها مع بعض، وكدولتين
تمثلان الحضارات القديمة لا بد للهند والسعودية أن
تعملا معا من أجل تشجيع الحوار والتعايش السلمي بين
الدول والديانات والمجتمعات ولا بد لنا أن نعمل معا
كشركاء في صياغة خطاب كوني حول القضايا مثل أمن الطاقة
وتغير المناخ والإرهاب لا بد لنا أن نتعاون في التعامل
مع التحديات الإقليمية مثل الأمن البحري والقرصنة
والمخدرات والاتجار بالبشر ومخاطر أمنية أخرى غير
تقليدية».
وكان رئيس الوزراء منموهان سينغ عقد اجتماعا مع
الدكتور عبد الله آل الشيخ رئيس مجلس الشورى تركز
الحديث خلاله على الموضوعات ذات الاهتمام المشترك وسبل
تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين في مختلف
المجالات وبخاصة في المجال البرلماني.
واختتم رئيس وزراء الهند زيارة للسعودية، استمرت 3
أيام، وتم في ختام الزيارة منحه الدكتوراه الفخرية من
جامعة الملك سعود.
نقلا عن " الشرق الاوسط" |