حركة الابتكار في الهند تثير حسد الآخرين
وقلقهم
فيكاس باجاج
ترجمة - بهاء سلمان
يخشى
الناس في الولايات المتحدة واوروبا من ان تنتقل
أعمالهم التي تتطلب المهارات العالية وذات المردودات
المادية المجزية في يوم من الأيام الى حيث مدينة
بانغلور في الهند. الهنود من جانبهم يشعرون ايضا
بالقلق من المستقبل
فهم يغيضهم أن تبقى بانغلور، والهند بشكل أعم، على مدى
المستقبل المنظور تابعاً للغرب حيث العمالة الرخيصة.
فرغم أن العالم بلغ مرحلة الاعجاب، وحتى الحسد والخوف،
من نشاط الاعمال التجارية في الهند المعتمدة على مصادر
خارجية، وبالبراعة الفائقة التي تتصف بها التقنيات
الموجودة فيها، يشعر كثير من الهنود بالاحباط لأن
بلدهم لم يتقدم بشكل أسرع الى الامام صوب عمل اكثر
طموحا ونفعا من مجرد الرد على الهاتف او كتابة
برامجيات الحاسوب. يقلقهم السؤال: لماذا لم تنتج الهند
حتى الان مشاريع مثل غوغل او أبل (في اشارة إلى شركات
برامجيات عملاقة)؟
من الصعب وضع مقياس للابتكار، ولكن الاكاديميين
المهتمين بدراسته يقولون أن الهند لديها الامكانية
لخلق منتجات ذات مسار وتوجه، إلا أنها لم تفعل ذلك حتى
الان. والمبتكرون الهنود لا يمنحون من براءات الإختراع
الأميركية على مبتكراتهم سوى نصف ما يمنح لنظرائهم من
الأشخاص أو الشركات في اسرائيل والصين، كما أن حجم
الانفاق المالي الحكومي والخاص على البحوث والتنمية
متأخر بصورة كبيرة عما تنفقه الدول الأخرى، وكذلك يفعل
اصحاب رؤوس الاموال والمستثمرون في مجال تمويل الشركات
داخل الهند.
يقول ناداثور راكافان، وهو مستثمر متخصص باطلاق
المشاريع الجديدة ومؤسس لاحدى الشركات الهندية التقنية
الاكثر نجاحا:" عندما تولد فكرة مبتكرة في وادي
السيليكون (مركز صناعة البرامجيات في الولايات المتحدة)
فإنها ستقطع الشوط كاملا نحو النجاح وتحصل على كل ما
تستحقه، ولكن حين تولد الفكرة نفسها في الهند فإنها لن
تتحرك كثيراً."
يقول راكافان، ويذهب معه في ذلك آخرون، ان الذي يقيد
الهند هو نظام التمويل الذي يعزف عن الاستثمار في
أفكار غير مجربة، ومرد هذا نظام التعليم الذي يشدد على
اتباع الأساليب الروتينية بدلا من التصدي للمشاكل
وحلها، وبسبب ثقافة من طبعها احتقار الفشل والمهن غير
التقليدية.
يعتبر سوجاي كارامبوري أحد رجال الأعمال الهنود الذين
جاهدوا ضد العديد من تلك التقييدات، وقد تمكنت شركته "سلوكا
للاتصالات"، ومقرها مدينة بانغلور، من تطوير نظام
لاسلكي حاز على جائزة. ويتميز هذا النظام بمرونة اكبر
وحجم اصغر وكلفة اقل من تلك التي تستخدمها شركات
الاتصالات الهاتفية في يومنا، وتقوم شركات الهاتف
النقال والمجهزون الكبار لمعدات الاتصالات بشراء وفحص
منتجات شركة كارامبوري، ولكنه لم يتمكن إلى الآن من
جذب اهتمام اصحاب رؤوس الاموال من المستثمرين الهنود،
وقد بقي يدير شركته طيلة السنوات الخمس الماضية بمبلغ
مليون دولار جمعها من معارفه.
يقول كارامبوري:"انا لا يمكنني تحمل نفقات إجراء
الإختبار مع أكثر من زبون واحد في الوقت الواحد، وهذا
يتطلب مني ثلاثة اشهر قبل أن يعود علي بالمردود. لذا
فإني دائما في حالة قلق بشأن رواتب العاملين للشهر
القادم، هل يتوجب عليّ ان اوفر المال للاختبارات ام
أدفع رواتب الشهر القادم؟" لذلك يفكر كارامبوري بنقل
شركته الى الولايات المتحدة ليكون اقرب الى المستثمرين
وأصحاب رؤوس الاموال المتخصصين في مجال الاتصالات.
يقول المحللون أن شركات مثل "سلوكا للاتصالات" تحظى
بأهمية خاصة لانها هي المعول عليها في خلق الموجة
القادمة من الوظائف بدلا من الشركات الهندية الكبيرة
الراسخة في مجال التكنولوجيا، والتي لم يحرز أكثرها
سوى نمو بطيئ. أمثال هذه الشركات يمكن ان تساعد في
التعويض عن فرص العمل للأشخاص الخارجيين، الذين لا
ينتسبون إلى الشركات، وهي فرص معرضة لأن تفقدها الهند
بسبب اللجوء المتزايد إلى المكننة الأوتوماتيكية وكذلك
بسبب المنافسة من قبل دول تكون فيها الكلف التشغيلية
أوطأ.
ثمة اسباب تاريخية للصعوبات التي يواجهها انطلاق
الاعمال في الهند، فخلال فترة الاحتلال البريطاني كانت
المصالح الاستعمارية تملي أن يكون الإقتصاد نشطاً.
ولكن بعد استقلال الهند في عام 1947 خنقت مركزية
التخطيط الحكومية انطلاق الاعمال التجارية من خلال
فرضها اجراءات ثقيلة مرهقة إلى جانب استملاك الدولة
المباشر للشركات والمصارف.
نتيجة ذلك وجد رجال الأعمال وأصحاب المشاريع التجارية
ان التزلف الى صناع القرار السياسي أجدى لهم بكثير من
الابتكار، كما صعبت القيود على الإستيراد عملية الحصول
على المكائن والقطع المطلوبة والتكنولوجيا الحديثة،
الامر الذي ادى بالمخترعين الى ايجاد حلول من خلال
وسائل مبدعة للتغلب على العوائق وندرة المواد. ولكن
المنتجات التي كانوا يحصلون عليها اثر هذه الجهود
المرتجلة كانت غالبا أدنى نوعياً بالقياس إلى ما هو
متوفر خارج الهند.
يقول اناند ماهاندرا، وهو رئيس لمجموعة تجارية ويطالب
بضرورة تقديم دعم أكبر للابتكار:"لقد كنا نعمل في ظل
اقتصاد يتجاهل الابتكار، ولا يشجع على التوسع في
الاعمال، ولا يروقه خلق الثروات، ولم يكن هناك اي حافز
للمنافسة على الاطلاق."
أخذ الزعماء الهنود ينفتحون على نظام اقتصاد السوق
الحرة خلال عقد الثمانينيات من القرن الماضي، وزادوا
من وقع التغيير بهذا المنحى في عام 1991 عندما واجهت
البلاد ازمة مالية. ساهمت تلك التغييرات في رفع حالة
النمو الاقتصادي، الامر الذي وفر امكانية قيام شركات
تعمل في مجال التكنولوجيا مثل تلك التي يملكها
كارامبوري وغيرها، والتي ركزت على توفير خدماتها
للشركات الاميركية والاوروبية الكبيرة.
ومع هذا، فان الحكومة لا تزال تمارس نفوذاً كبيراً،
وخصوصا في مجال التصنيع، كما يقول البروفيسور ريشيكيشا
كريشنان الاستاذ في معهد الادارة في بانغلور. وهو يضيف:
"للبدء بانطلاق اعمال شركة للخدمات لن يتطلب الأمر منك
أكثر من يومين او ثلاثة، ولكن في اللحظة التي تريد
فيها الشروع بعملية التصنيع، ستجد نفسك تصطدم بمئات من
المفتشين والاجراءات التنظيمية."
يمثل جمع المال احد اكبر التحديات التي تواجه رجال
الاعمال في الهند، فرؤوس الاموال الاستثمارية تدفقت
على الهند في السنوات الاخيرة ولكنها تفضل الاستثمار
في مشاريع تجارية قائمة اكثر من دعمها للشركات حديثة
الانشاء.
يأتي رأس المال الإبتدائي (أو ما يسمى النواة) لكثير
من الاعمال التجارية في الولايات المتحدة ودول اخرى
كثيرة من اشخاص اثرياء يعرفون بأنهم المستثمرون
الممولون، ولكن اغلب الاثرياء الهنود يفضلون استثمار
اموالهم مع اقاربهم او اصدقائهم المقربين لاعتقادهم
بأن ذلك يوفر اماناً اكثر وضمانات بأن يكون المقترض
للمال قادرا على الإقتراض بدوره من معارفه في المستقبل.
عندما كانت مجموعة سيلووركس، التي تركز اغلب اعمالها
في بانغلور، تحاول جمع المال اللازم لتنفيذ اعمالها في
العام الماضي، تحدث المدراء التنفيذيون الى المستثمرين
من اصحاب رؤوس الاموال في بانغلور وفي خارج الهند، الا
ان الشركة في نهاية الأمر جمعت كل المال الذي تحتاج
إليه في الولايات المتحدة، وذلك لان اغلب المستثمرين
المحليين لم تكن عندهم الخبرة الكافية لتقييم الشركات
المتخصصة بالتقنيات المستخدمة في العمليات الحيوية في
الصناعة، كما يقول طاهر عباسي كبير المدراء التنفيذيين
للشركة.
وقد عملت تلك المجموعة على تاسيس مقر مشترك لها بملاك
صغير في منطقة قريبة من سان خوزيه لكي تكون قريبة من
المستثمرين ومن الجامعات الاميركية لاغراض التعاون
البحثي في مجال ادوية مرض السرطان.
يقول عباسي:" من الصعب جداً مواصلة الاعمال بدون اموال
المستثمر المحلي." ثم يستطرد مبيناً أن الهند مع ذلك
تبقى متمتعة بميزات خاصة بها، فالمهندسون وعلماء
الاحياء متوفرون باعداد كبيرة، ولو انهم يحتاجون الى
التدريب اكثر من نظرائهم في البلدان الاخرى. كما ان
الكلفة التشغيلية اقل بكثير مما هي عليه في منطقة خليج
سان فرانسيسكو، وهذا الامر كان حاسما قبل اكثر من
عامين عندما ابتدا عباسي وشركاؤه اعمال شركتهم من
مالهم الخاص.
ولكن ربما لا يزال ثمة أمل للابتكارات الهندية، إذ أن
هناك من يهتم بملء الفراغ وتمويل الاستثمارات.
فالمجموعة التي يطلق عليها "ممولو مومباي"، تقيم ملتقى
دورياً في ايام السبت مرة كل شهرين حيث يطرح رجال
الاعمال افكارا على المستثمرين الأثرياء، وقد استثمر
اعضاء في تلك المجموعة أموالهم في حوالي عشرين شركة
حتى الآن، كما يقول براشانت شوكسي احد مؤسي تلك
المجموعة.
كذلك هناك حالات فردية أيضاً. فقد قام نارايانا مورثي،
رئيس شركة انفوسيس، مؤخرا ببيع اسهم بقيمة 38 مليون
دولار من اسهم شركته للشروع بصندوق جديد لراس مال
استثماري. ووضع راكافان، المدير التنفيذي السابق
للشركة نفسها، مبلغاً يقدر بحوالي 100 مليون دولار
كاستثمارات في اعمال لشركات تعمل على تطوير ادوية
تعالج مرض السكر وامراضا اخرى، كما بدأ العديد من
الجامعات الهندية ايضا برامج وفصولا دراسية في ادارة
الاعمال.
يقول فيفيك وادهوا، وهو رجل اعمال سابق في مجال
التكنولوجيا ويعمل في البحوث الابتكارية حاليا، بان
اجواء انطلاق مشاريع الأعمال الجديدة في الهند افضل
الآن بكثير مما كان الوضع عليه قبل سنين، وهو يشير الى
وجوب استمرار التحسن الحاصل، وجزء من ذلك يعود الى ان
شركات مثل جنرال اليكتريك تقوم باستخدام عشرات الالاف
من المهندسين الهنود للعمل في مجال البحث والتطوير.
أخيراً، هنالك تحول آخر قد يبشر بمستقبل أفضل.
فحتى بداية هذا العقد كانت السوق الهندية ضئيلة الحجم
ومنعزلة بحيث لا تدر من الأرباح للاعمال التجارية ما
يصلح حافزاً لتنمية المنتجات في الهند. لهذا السبب
ركزت أغلب الشركات المتخصصة بالتكنولوجيا على بيع
منتجاتها للغرب، ولكن هذا الامر سيتغير بصورة كبيرة
لان السوق الهندية توسعت عما كانت عليه.
لقد تضاعف حجم الاقتصاد الهندي تقريبا خلال السنوات
الثماني الاخيرة مع مراعاة اهمية التجارة الخارجية،
ومن الممكن أن الهند ما يزال فيها ما يثير الحسد
والقلق عند الاخرين.
|