|
الهند في الاعلام
العربي
الهند وأميركا... أمام التحديات المناخية
لا بديل أمامهما سوى تقنيات الطاقة النظيفة
في
الوقت الذي يركز فيه العالم على التغير المناخي هذا
الأسبوع في قمة كوبنهاجن بالدانمارك، يبدو مندوبو
الدول المشاركة في القمة، جاهزين للتفاوض من أجل إبرام
اتفاقيات معقدة، لتفادي عالم تذوب ثلوج مناطقه القطبية،
وترتفع فيه مستويات بحاره ومحيطاته. ولكن هناك منطقة
أخرى غنية بالثلوج، يجب على هؤلاء المندوبين أخذها في
الحسبان، وهي الأنهار الجليدية التي تجري في جبال
الهمالايا (التي يطلق عليها" أبراج الهند المائية")
والتي بدأت في الذوبان بالفعل.
وبالنسبة للهند تحديداً التي تواجه مشكلات مائية
متزايدة، والتي شهدت زيادة هائلة في استخراج واستخدام
الفحم بسبب التوسع الاقتصادي الكبير، تعتبر المخاطر
عالية للغاية. ففي الوقت الذي يستمر فيه الاقتصاد
الهندي في النمو، على الرغم من الأزمة العالمية، فإن
من المتوقع أن تزيد الطاقة المستخرجة من الفحم (الذي
يعتبر القوة الدافعة وراء النمو الاقتصادي الهندي)
بنسبة 600 في المئة بحلول 2030، وهو ما سيضع الهند على
طريق المنافسة مع الولايات المتحدة، التي تعتبر من
كبار الدول المستخدمة لطاقة الفحم في العالم، وهو ما
سيؤدي بدوره إلى ارتفاع كبير في انبعاثات ثاني أكسيد
الكربون.
ومع أخذ هذا السيناريو المخيف في الحسبان، وبصرف النظر
عما يحدث في قمة كوبنهاجن، أو ما ستنتهي إليه هذه
القمة، فالحقيقة هي أنه ليس أمام الهند من بديل سوى
التحول إلى واحدة من أكثر دول العالم ابتكاراً في مجال
تقنيات المناخ والطاقة النظيفة. والمال ليس هو العقبة
التي تحول بين الهند وبين تحقيق ذلك، وإنما الافتقار
إلى خطة شاملة بعيدة المدى، وكذلك اعتمادها الطويل
المدى أيضاً على طاقة الفحم. كما يجب على الهند
والولايات المتحدة أن تتعاونا معا من أجل تنمية وتعبئة
المواهب الهندسية، والموارد المالية فيهما، من أجل
ابتكار تقنية طاقة أكثر نظافة، وأقل تكلفة.
وعلى الرغم من البدائل العديدة للطاقة التي تقوم الهند
بتطويرها، والتي تشمل الوقود الحيوي، والكهرباء
المولدة من المساقط المائية، والطاقة النووية،
والشمسية، التي استثمرت فيها الهند ما يقرب من 900
مليون دولار، فإن الفحم كما يقول الخبراء سيظل هو
المصدر الرئيسي للطاقة في الهند في المستقبل المنظور
على الأقل. وتبين المسوحات الجيولوجية أن الجزء الأكبر
من ثروة الفحم في الهند، لم تكتشف بعد بسبب الاعتماد
على التقنيات التقليدية في استخراجها.
لذلك، يتوجب على الهند بذل المزيد من الجهد للتوصل إلى
ابتكار تقنية متقدمة تجعل ثروتها من الفحم متاحة من
ناحية، وتجعل استخدامها نظيفا من ناحية أخرى.
وتقنية توليد الغاز من الفحم، من خلال إسالة الفحم
الموجود تحت باطن الأرض، تعتبر من التقنيات التجارية
المتوافرة، التي يمكن أن تؤدي إلى تخفيضات هائلة في
مجال تقنيات الطاقة. وتطوير هذه التقنية يمكن أن يوفر
الإمكانية للعديد من الدول للحصول على خيار منخفض
الكربون، منخفض التكلفة.
وتطوير هذه التقنية يمثل تحدياً ضخماً، ويتطلب رؤوس
أموال كبيرة، كما يتطلب تعاوناً وثيقاً بين الحكومة
والمشروعات الخاصة، والتركيز كذلك على المجالات
الرئيسية في هذا الجهد، والتي تتمثل في الاستثمار
المشترك، والمسائل التقنية، والمعايير البيئية.
وقد بدأ العمل بالفعل في مشروعات لإنتاج الغاز من
الفحم في الصين وأستراليا. وهناك خطط للبدء في ذلك في
الولايات المتحدة وجنوب أفريقيا. ولكن هذه المشروعات
لن يكون لها أثر ملموس، إلا إذا ما تم التعاون بين
مختلف البلاد في هذا المجال، وتم دعم إنشاء المزيد من
هذه المشروعات في الدول التي لا تتوافر لديها
الإمكانيات، وذلك من أجل خلق عالم أقل كربونا في نهاية
المطاف.
لكن الحل الطويل المدى للهند على وجه الخصوص، يتمثل في
دعم التعليم التقني والهندسي، والعمل على مساعدة
الخريجين الجدد من أصحاب المواهب المتميزة من الكليات
العلمية والتقنية المختلفة، وتدعيم مراكز البحث
الممولة من قبل الحكومة، وذلك بغرض تحويل الهند في
النهاية إلى أكبر مختبر عالمي للبحوث والتطوير.
وهذا النموذج، يعترف من ناحية بأن الفحم مهم للوفاء
باحتياجات الهند من الطاقة في المستقبل المنظور كما
يوفر لها من ناحية أخرى، مجموعة متنوعة من الخيارات
والبدائل التي سوف تساعدها على التعامل مع انبعاثاتها
الكربونية المتوقع تزايدها مع التقدم الكبير والمتنامي
الذي يشهده اقتصادها.
ويجب على الدول المتقدمة، وعلى رأسها الولايات المتحدة
التعاون مع الهند في هذا الجهد. ويمكن للولايات
المتحدة أن تسوق تقنياتها المتطورة بسرعة أكبر في
السوق الهندي المزدهر، بالإضافة إلى إمكانية استفادتها
من العمالة الفنية الهندية الماهرة في هذه الصناعة من
المهندسين والتقنيين رخيصي الأجور. ويمكن في هذا
الإطار أيضاً، أن تقوم الشركات ومراكز البحوث
والجامعات الأميركية، بتزويد الهند بالمكونات التي
تريدها، وكذلك بالتقنيات المتقدمة وصناديق التمويل
المتعددة. إن احتياجات الهند المتزايدة من الطاقة،
وثلوج الهمالايا الذائبة، يضعانها في موقف صعب. ونظراً
لأن المفاوضات المتعددة الدول، مثل تلك التي تجري في
كوبنهاجن هذا الأسبوع، لا تصل سوى إلى الحد المقرر لها
وبالسرعة التي يتطلبها ذلك، فإن من الواجب على
الولايات المتحدة والهند، أن تعملا معا بشكل وثيق من
أجل تطوير شراكة حقيقية، تقوم على توفير احتياجاتهما
الملحة، وتفيدهما في المدى الطويل. وما تحتاجه
الدولتان موجود أمامهما بالفعل، وكل ما يتطلبه الأمر
هو أن تمد كل منهما يدها للأخرى، وتعملان معاً على
اقتناص الفرصة السانحة.
المصدر: جريدة "الاتحاد" |
|
|