|
اخبار :
العلاقات بين الهند و ايران و
مستقبلها
كيه مينون
تعود
العلاقات الهندية – الإيرانية إلى العهود القديمة،
حيث سجلت الكتب والمراجع العلاقات التي جمعت بين
الهند وإيران. فاضافة الى العلاقات التجارية
المتنامية، ولاسيما في مجال الطاقة، فان البعد
التاريخي والجوار الجغرافي يسهمان إلى حدٍ كبير في
رسم معالم العلاقة الحالية والمستقبلية بين إيران
الإسلامية والهند الديمقراطية. ويعتقد أن اللغتين
الهندية والإيرانية تنحدران من الأصل نفسه وهو
عائلة اللغات الهندية – الإيرانية.
تتمتع الهند وإيران بعلاقات قوية في مجال التعليم،
إذ يقصد الطلاب الإيرانيون الجامعات الهندية التي
تقدم من وجهة نظرهم مستوى تعليمياً مناسباً. وتخرج
في جامعة بنغلور رموز وأعلام في الحكومة الإيرانية
مثل وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي ونائب
وزير الخارجية والمتحدث الرسمي باسم الوزارة محمد
علي حسيني. وذكر السفير الهندي لدى إيران في
مقابلة مع المؤلف أن حوالي ثمانية آلاف طالب
إيراني يكملون تعليمهم الجامعي في الهند، وبالأخص
في مدينة بون وبنغلور وحيدرأباد ودلهي. وتحصل
مجموعة قليلة من هؤلاء على منح دراسية في حين
يواصل الباقون تعليمهم الجامعي على نفقتهم الخاصة.
تعقد الهند وإيران اجتماعات دورية بين اللجنة
المشتركة ومجلس الأعمال المشترك الذي يلعب فيه
القطاع الخاص الهندي دوراً حيوياً. وتم توقيع عدد
من مذكرات التفاهم بين الطرفين لتوطيد العلاقات
التجارية بين طهران ونيودلهي. وتعتبر إيران أحد
المصادر الرئيسية للطاقة في الهند، وتبلغ المشاريع
المشتركة بين الهند وإيران حوالي 15 مشروعاً في
مختلف المجالات والأنشطة أبرزها البتروكيماويات
وتقنية المعلومات. وعمدت كبرى شركات الحديد
الهندية مثل مجموعة (تتاس وإيسر) إلى إنشاء مصانع
لها في مدينة بندر عباس. كما حصلت (تتاس) على
منجمي للكرومايت ومنجم حديد، وتمثل إيران سوقاً
متميزة للشاي الهندي.
الطريق بين الشمال والجنوب
تعمل الهند على إنشاء طريق يربطها بأفغانستان
وجمهوريات وسط آسيا المغلقة عبر التعاون مع طهران
لتوسيع ميناء تشبهار الإيراني وإنشاء خط سكة حديد
بين تشبهار – فرج – بام وطريق بري بين زهراني
ودلرام في أفغانستان والذي سيشكل حلقة الوصل بين
الشمال والجنوب، ويحظى بأهمية استراتيجية كبيرة
بالنسبة لإيران والهند. وكان من المقرر تشكيل
اتحاد يضم بعض الشركات الهندية لتنفيذ أعمال
المشروع المتعلقة بمدينة تشبهار غير أنه يواجه
صعوبات جمة. وفي الوقت الحالي، تواصل هيئة الطرق
الحدودية الهندية إنشاء شبكات الطرق في أفغانستان
متحدية عمليات القتل والخطف التي تنفذها حركة
طالبان. ووقعت الهند وإيران مذكرة تفاهم تهدف إلى
تعزيز التعاون بين الطرفين في المجالات العلمية
والتقنية والزراعية والسياحية ومكافحة المخدرات
وحماية البيئة والبريد والاتصالات.
على الرغم من هذه العلاقات التاريخية والثقافية
والتجارية، فلا ريب في أن التبادل التجاري بين
الطرفين في مجال النفط والغاز سيحدد معالم العلاقة
بين طهران ونيودلهي في المستقبل. وحسب ما أوردته
تقارير وزارة الطاقة الأميركية، فإن الهند تأتي في
المرتبة السادسة من حيث استهلاك الطاقة على مستوى
العالم وسط توقعات بزيادة الطلب لمواكبة نموها
الاقتصادي، بينما تمتلك إيران حوالي عشرة في
المائة من الاحتياطيات العالمية المؤكدة للغاز
الطبيعي، كما أنها تأتي في المرتبة الثانية من حيث
إنتاج النفط سواء على مستوى منظمة أوبك أو على
مستوى العالم. ونظراً لوقوع إيران تحت طائلة
العقوبات، كان عليها أن تلجأ إلى سياسة ترشيد
استهلاك الوقود في السوق المحلية والبحث عن مشترين
لمواردها من النفط والغاز الطبيعي شرط أن يكون
هؤلاء المشترون أهلاًَ للثقة من وجهة نظر إيران.
خط الأنابيب بين إيران وباكستان والهند
يتمثل الخيار الثاني لتوطيد التعاون بين الطرفين
في مجال الطاقة في إنشاء خط أنابيب للغاز الطبيعي
يمر بإيران وباكستان والهند وأطلق عليه (خط السلام).
واقترحت إيران إنشاء هذا الخط العام 1995، وكان
حديث الصحف ووسائل الإعلام من حين إلى آخر. وانطوى
هذا الخط على كثير من الوعود والقليل من النتائج.
وجاء تصريح وزير النفط الهندي مورلي ديورا بأن
الهند ستواصل محادثاتها مع إيران وباكستان إزاء
هذا الخط كي يبث روحاً جديدة في المشروع. غير أن
السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق: هل ستنجح
هذه المحادثات؟ وتتوقف الإجابة عن هذا السؤال على
المشهد الجيو-سياسي المتشابك في المنطقة وليس على
الأسعار والأمور المادية كما كان يريد ديورا أن
يوهم الجميع. حيث تعطي إيران الأولوية لتأمين
عملاء جدد على الأسعار والمسائل المالية التي يمكن
التفاوض حولها. أما بالنسبة لباكستان، فإن من
مصلحتها إقامة المشروع نظراً لحصولها على غاز
طبيعي بأسعار زهيدة وحصولها أيضاً على حوالي 600
مليون دولار سنوياً من الهند مقابل السماح لخط
الأنابيب بالمرور من أراضيها. ومن الناحية النظرية،
يمثل هذا الخط الذي يمتد بطول 2755 كيلو متراً
العصا السحرية لتهدئة المخاوف الهندية من أزمة
الطاقة وتحقيق الطموحات الإيرانية بفتح أسواق
جديدة وكبيرة تستوعب إنتاجها من الغاز الطبيعي على
المدى الطويل. وعقد الكثير من الاجتماعات في طهران
ونيودلهي وإسلام أباد على مستويات مختلفة بين كبار
المسؤولين والوزراء بهدف إجراء محادثات حول
المشروع الذي تبلغ تكلفته 7.5 مليارات دولار لكن
دون جدوى.
وبحثت الأطراف المعنية الخيارات الأخرى المتوافرة
مثل إنشاء خط أنابيب تحت الماء، غير أن التركيز
ينصب في الوقت الحالي على إنشاء خط أنابيب بري
لأسباب اقتصادية وفنية. وتجدر الإشارة في هذا
الإطار إلى إكمال إيران حوالي خمسين في المائة من
الأعمال المسندة إليها في خط الأنابيب الذي يسير
في أراضيها بطول 1115 كم تقريباً، ويسير في
باكستان بنحو 750 كم تقريباً بينما يسير في الهند
بنحو 850 كم وربما يتم مده لمسافة أطول في الهند
في حالة رغبة نيودلهي في توصيل الغاز إلى
المشروعات الصناعية الموجودة في شمال الهند. وتكمن
المشكلة في أن الهند التي تحتل المرتبة الثالثة في
آسيا من حيث استهلاك النفط لا تتخيل أن تربط
مستقبل اقتصادها بخط أنابيب يمر بباكستان التي
تتسم باضطرابات أمنية من وجهة نظر الهند.
بكين وواشنطن
وتأتي رغبة الصين في المشاركة في المشروع بمثابة
بارقة أمل للتخفيف من حدة المخاوف الهندية حول
الوضع الأمني في باكستان، وهذا يرجع إلى قوة
العلاقات بين بكين وإسلام أباد. وفي مقابلة مع
مجلة (واشنطن بوست)، شكك رئيس الوزراء الهندي مان
موهان سينغ في إمكان قيام البنوك بتمويل المشروع،
حيث صرح قائلاً (في ضوء الغموض وتقلب الأوضاع على
الساحة الإيرانية، فإنني غير واثق بموافقة اتحاد
البنوك على تمويل المشروع). فإذا كان هناك جدل
كبير حول خط الأنابيب المقترح إنشاؤه، فلماذا
تتحمس إيران والهند لهذا المشروع؟ فالهند تتمتع
بعلاقات قوية مع طهران على مستويات مختلفة وبالطبع
فهي لا ترغب في إعطاء ظهرها لإيران ولاسيما عندما
يتعلق الأمر بمشروع كبير من شأنه أن يسهم في دفع
مسيرة النمو الاقتصادي لكلا البلدين.
وهناك عامل آخر من الأهمية بمكان يتمثل في
المفاوضات التي تجريها الهند مع واشنطن لإبرام
صفقة نووية. والواقع أن تعاون الهند وإيران لإقامة
مشروع مشترك في مجال الطاقة وما يترتب عليه من
تهديدات ومخاطر سيعزز من حرص واشنطن على إتمام هذه
الصفقة. وربما تتمسك طهران بتنفيذ المشروع عبر
السبل الدبلوماسية والسياسية، الذي يقدر بالعديد
من المليارات كي تظهر لواشنطن أنه لها أصدقاء في
المنطقة.
وهذا لا يعني أن العلاقات الهندية – الإيرانية
آخذة في التراجع، بل على النقيض تماماً، فإن
نيودلهي تجري مفاوضات حالياً للحصول على حقوق
استخراج النفط في إيران. فقد أكد رئيس مجلس إدارة
شركة النفط والغاز الطبيعي المملوكة للدولة
ورئيسها التنفيذي (آر إس شمرا) أن شركة النفط
ومجموعة هندوجي التابعة للقطاع الخاص تتفاوضان
حالياً مع إيران حول إبرام صفقة بعدة مليارات.
والواقع أن الهند تعتبر من أكبر مستهلكي الغاز
القطري عقب قيامها بإبرام صفقة مع قطر العام 1999
تحصل الهند بموجبها على حوالي 7.5 مليون طن متري
سنوياً لمدة 25 عاماً. وأفاد تقرير صدر بتاريخ 14
يونيو الماضي بأن اتحاداً من الشركات الهندية يضم
شركة (أو إن جي سي فيدش) وشركة النفط الهندية
وأويل إنديا أبدى استعداده لاستثمار 3 مليارات
دولار في حقول فارس الإيرانية، حيث يوجد فيها 12.8
تريليون قدم مكعبة شريطة أن توافق الحكومة
الإيرانية. وأنفق الاتحاد حوالي 90 مليون دولار
على أنشطة التنقيب فقط. وقد تتجه إيران والهند إلى
استئناف اتفاقية الغاز الطبيعي التي لا تواجه
عقبات مثل مشروع خط الأنابيب، ولا يسلم الأمر من
وجود بعض العراقيل لكن العلاقات والتعاون بين
الطرفين يتسم بالاستقرار.
وذكر وزير النفط الهندي مورالي ديورا في يونيو
2008 أنه سيتم استكمال خط الأنابيب في غضون خمسة
أسابيع وربما جاء ذلك في محاولة لتهدئة الأحزاب
اليسارية التي ترغب في مواصلة نيودلهي للمشروع
كبديل للصفقة النووية مع الولايات المتحدة
الأميركية في محاولة لكسب أصوات المسلمين في الهند.
ومن اللافت للانتباه عدم اعتراض أي زعيم مسلم بارز
في الهند على الصفقة النووية وإصدار حزب الكونغرس
الحاكم بياناً شديد اللهجة يفيد بأن خط الأنابيب
المزمع إنشاؤه لا يمثل بديلاً عن الصفقة النووية
مع الولايات المتحدة الأميركية. والواضح أن إيران
كانت أكثر حرصاً على مواصلة مشروع خط الأنابيب بين
إيران وباكستان والهند، في حين كانت الهند أكثر
اهتماماً بالصفقة النووية شريطة أن تبرم بموجب
الشروط التي اتبعتها مع قطر من دون إغفال مقترح خط
الأنابيب.
وفي الوقت الذي تستعد فيه الهند لتعزيز مكانتها
على الساحة العالمية ويشهد اقتصادها نمواً هائلاً،
ربما تجد الحكومة الهندية صعوبة كبيرة في التوفيق
بين علاقاتها مع إيران والولايات المتحدة
الأميركية، ومع أن الهند نجحت في هذا المضمار حتى
الآن، إلا أن أي تعنت من جانب الولايات المتحدة
سيؤثر في مسار العلاقات الهندية – الإيرانية. اذ
ترى نيودلهي أن الصفقة النووية مع واشنطن تمثل
عنصراً حيوياً لتحقيق أمن الطاقة في الهند، في
إشارة واضحة إلى أن الهند قد تقلل من اعتمادها على
الموارد النفطية المكلفة في المستقبل. وفي إطار
سعي الهند نحو تعزيز مكانتها على الساحة الدولية
ورغبتها في الحصول على العضوية الدائمة لمجلس
الأمن، فلا يمكن للعلاقات الهندية – الإيرانية أن
تصل إلى الآفاق المنشودة إلا بعد خروج إيران من
عزلتها الدولية.
|
|
|