اخبار اقتصادية :
47 مليار دولار حجم قطاع التعهيد في
الهند
هيزر تيمونز
نيو دلهي:
كانت
نتيجة تباطؤ عجلة النمو العالمي انحسار النمو
السريع في النشاطات التجارية المتعلقة بالتعهيد
داخل الهند، لكن هذا الانحسار لم يتجاوز مجرد حدوث
تباطؤ فحسب، ففي الواقع، ونظرا إلى الضغوط التي
تتعرض لها الشركات، بل والحكومات، من أجل تقليص
التكاليف، تشهد بعض نشاطات التعهيد ازدهارا. وبعد
أن ساد شعور عام بالقلق الشديد في الهند منذ ستة
أشهر فقط، حل محله الآن شعور أقوى ـ بكثير ـ
بالتفاؤل.
جدير بالذكر أن معدل البطالة في الولايات المتحدة
ارتفع إلى 8.9 في المائة، وهو أعلى مستوى له منذ
26 عاما، مما زاد من الضغوط القائمة منذ أمد بعيد
من أجل «الإبقاء على الوظائف داخل أميركا»، إلا أن
مديري الشركات الكبرى والصغرى، الذين يعانون تحت
وطأة الضغوط السياسية وضرورة تقليص النفقات من
ضمان بقاء شركاتهم، يختارون سبيل التعهيد. في هذا
الصدد، قال جيه. براندون بلاك، الرئيس التنفيذي
لـ«إنكور كابيتال غروب»، وهي شركة تعنى بجباية
الديون، ومقرها سان دييغو، إنه وضع خطط لزيادة قوة
العمل لدى شركته داخل الهند بدرجة بالغة خلال
السنوات القليلة القادمة. وأرجع هذا الأمر إلى عدة
أسباب، منها الظروف الاقتصادية الصعبة. واستطرد
بأن «الأمر برمته يدور حول أنه من العسير للغاية
تجاهل وجود عمالة متعلمة ومدربة على نحو جيد
وبأسعار معقولة». وأضاف أنه في الهند «نستعين
بخريجي جامعات»، لكن الشركة لا تفعل الأمر ذاته
داخل الولايات المتحدة، لما سيتطلبه ذلك من نفقات
أكبر على البنية التحتية والرعاية الصحية. وأكد أن
«التعهيد سيستمر».
والملاحظ أن بعض كبريات الشركات الأميركية لا تزال
تستثمر في الهند، حتى في الوقت الذي تعمد فيه إلى
تقليص نفقاتها داخل الوطن. جدير بالذكر أن «هيوليت
ـ بكارد» أعلنت في الشهر الماضي تخليها عن 6.400
وظيفة أخرى لديها، بالإضافة إلى الـ24.000 وظيفة
التي أعلنت أنها تعمل على الاستغناء عنها في
سبتمبر (أيلول) في أعقاب الاندماج مع «إليكترونيك
داتا سستمز». ومن المتوقع أن تتم قرابة نصف
إجراءات خفض الوظائف المعلن عنها في سبتمبر (أيلول)
داخل الولايات المتحدة. في مارس (آذار)، أعلنت
الشركة العملاقة المتخصصة في مجال الحاسوب افتتاح
«جامعة إتش بي سوفت وير» في ثماني مدن هندية
لتدريب خبراء في مجال برمجيات الحاسب الآلي.
وفي الشهر الماضي، أعلنت «هني ويل إنترناشونال»،
وهي صرح صناعي عملاق يتخذ من موريستاون في
نيوجيرسي مقرا له، عزمها استثمار 50 مليون دولار
في بناء منشأة جديدة لجهود البحث والتطوير في
بنغالور، وسيتم توظيف 3.000 شخص بها. وتأتي هذه
الخطوة في أعقاب شروع الشركة في عملية إعادة تنظيم
لها خلال الفترة الأخيرة، شملت إغلاق مصانع،
والاستغناء عن مئات الوظائف داخل الولايات المتحدة.
من جهتها، رفضت الشركة إصدار تعليق من أجل هذا
المقال، لكن عندما أعلنت في بداية الأمر عن خططها
المرتبطة بالهند، قال رئيسها التنفيذي، ديفيد إم.
كوت، إن ما يقرب من نصف موظفي الشركة ونصف أنشطتها
التجارية خارج الولايات المتحدة، وشدد على أن «أي
شيء يخلق نوعا من الحمائية، وأي شيء يعوق نشاط
العولمة، سيكون ضارا». على الجانب الآخر،
أعرب الكثيرون في الهند عن اعتقادهم بأن العوامل
الديموغرافية تقف إلى جانبهم على المدى البعيد.
وفي هذا السياق، أوضح رانجيت تينايكار، شريك «مكنسي»،
وهي شركة استشارات، أنه «داخل أكثر الاقتصاديات
تقدما، تهرم القوة العاملة». واستطرد بأن تكاليف
الرعاية الصحية المرتبطة بتوظيف عاملين غربيين
ستستمر في التنامي، مما يخلق «فرصة كبيرة» للهند.
منذ عقد مضى، توقعت «مكنسي» والمجموعة الهندية
القوية المعنية بتكنولوجيا المعلومات وتجارة
التعهيد «ناسكوم» بأن تصل عائدات التعهيد من جانب
شركات أجنبية في الهند إلى 50 مليار دولار في عام
2010، إلا أن تباطؤ عجلة النمو الاقتصادي العالمي
تسبب في تعطيل ذلك لثلاثة أرباع سنوية، أو لعام
بأكمله، ومن المتوقع أن تصل عائدات التعهيد في
الهند إلى 47 مليار دولار هذا العام.
وفي أبريل (نيسان)، توقعت «ناسكوم»، و«مكنسي» أنه
بحلول عام 2020، ستصل عائدات التعهيد هنا إلى 175
مليار دولار. والمتوقع أن يشهد العام الحالي تباطؤ
النمو داخل الكثير من كبريات شركات التعهيد
الهندية، جراء انهيار بعض أكبر عملائها من مصارف
وشركات خدمات رهون عقارية، وشركات في وول ستريت،
بيد أن ذلك لا يعني أن العائدات توقفت عن النمو
كلية. ومن ناحيته، قال أميتاب تشودهري، الرئيس
التنفيذي لشركة «إنفوسيس بي بي أو»، وهي الكيان
المعني بالتعهيد، التابع لواحدة من كبريات الشركات
الهندية المعنية بتكنولوجيا المعلومات، إن «الأفراد
الذين لم يأبهوا للتعهيد من قبل يقولون الآن إن
عليهم اللجوء إليه». وتوقع أن تحقق وحدته نموا هذا
العام، يتراوح بين 25% و30%، مقارنة بما يتراوح
بين 40% و50% فيما مضى، إلا أنه من الواضح أن
الضغوط السياسية تخلق اختلافا في أسلوب الاضطلاع
بالنشاطات التجارية.
وفي هذا الصدد، أوضح الكثير من المسؤولين
التنفيذيين المعنيين بالتعهيد أن من بين التوجهات
الصاعدة حاليا تعيين أعداد أكبر من الهنود في
مكاتب العميل داخل الوطن الأم. ومن خلال ذلك، لا
تنتقل الوظائف إلى الخارج، لكن على المدى البعيد،
من المحتمل أن تنتقل وظائف أكثر إلى الجانب الآخر
من العالم. من جهته، قال ساشديف راماكريشنا، مدير
شؤون التسويق داخل «ستريا»، وهي شركة معنية
بتكنولوجيا المعلومات والتعهيد، إن «وجهة نظرنا
تقوم على بدء عمل داخل الوطن، ثم نقله إلى بولندا،
أو المغرب، ثم بمرور الوقت إلى الهند».
وجدير بالذكر أن «ستريا» تتخذ من باريس مقرا لها،
لكن ربع موظفيها يوجدون في الهند، ولها مكاتب في
المغرب، وبولندا. ونظرا إلى أن عملاء «ستريا»
يتضمنون منشآت عامة وحكومات في أوروبا، فإن
إقناعهم بنقل الوظائف إلى الخارج قد يتطلب بعض
الوقت. وفي هذا الصدد، قال راماكريشنا «يعترف
الجميع بأن هذا نظام عالمي مختلف، وبات التركيز
يتجه بقدر أكبر إلى الإبقاء على الوظائف». ومع ذلك،
لا تزال نشاطات تجارية جديدة تتدفق من مختلف
الأرجاء، مثل شركات تأمين لديها عدد متنام من
العملاء من كبار السن، عليها مراقبتهم، وشركات
دوائية تتطلع نحو إيجاد سبل أكثر كفاءة لإجراء
تجارب على العقاقير، والتعامل مع الاتصالات
الهاتفية للعملاء (حتى الطارئة منها، مثل تناول
جرعات زائدة)،
وفرق قانونية تعترض على العمل مقابل أجر يبلغ 350
دولارا في الساعة لحساب شركات محاماة خارجية. وحتى
الشركات التي تقع بدول مثل فرنسا وألمانيا،
والشركات الشرق أوسطية، والشركات الإعلامية
المتداعية، والأخرى التي استحوذت عليها شركات أسهم
خاصة باتت تتطلع الآن نحو التعهيد. وعلى ما يبدو،
فإن الشركات الهندية التي اعتمدت على وول ستريت
والمصارف كبرى في الاضطلاع بالكثير نشاطاتها
التجارية تكتسب مهارات جديدة. فعلى سبيل المثال،
في شرق نيودلهي، داخل أحد المجمعات المخصصة
للشركات ـ الذي كان مزرعة فيما مضى ـ يعكف عشرات
الأطباء والممرضين والصيدلانيين الهنود على وضع
جداول لإجراءات الفحص لمرضى في الولايات المتحدة،
ويراقبون نتائج اختبارات طبية لصالح بعض أكبر
الشركات الدوائية في العالم. وعلى بعد 30 ميلا إلى
الجنوب الغربي، تحديدا مدينة غرغاون، يعمل مئات
المحامين الهنود داخل بناية زجاجية شاهقة على تفحص
صفقات وعقود، ودراسة حقوق الملكية الفكرية لعملاء
غربيين. على الصعيد القانوني، «حدث تحول هائل في
مستوى إدراك ما يمكن تحقيقه» على امتداد الـ12
شهرا الماضية، حسبما أكد دانييل ريد، الرئيس
التنفيذي لـ«يونيتد ليكس»، التي يقع مقرها الرئيسي
في أتلانتا، بينما تعمل الغالبية العظمى من
موظفيها داخل غرغاون. وقال «إن المزيد من الأعمال
المعقدة يجري تحويلها إلى الهند».
من ناحيته، بدأ ماثيو فوسيت، المستشار العام
لـ«جيه دي إس أونيفيز»، وهي شركة متخصصة في مجال
الألياف الضوئية في كاليفورنيا، في التطلع نحو
تعهيد بعض الأعمال القانونية إلى الهند منذ عامين،
والآن أصبح واحدا من عملاء «يونيتد ليكس»، وبرر
ذلك بقوله «عندما تتولى إدارة قسم قانوني داخل
شركة عامة للتداول، فإنك تهتم بأمر التكاليف
والمصروفات العامة». كما تعمل «باتني كمبيوتر
سستمز»، التي توظف أطباء وممرضين في نويدا، مع
شركات تأمين صحي داخل الولايات المتحدة، تقوم
سياساتها على توفير رعاية منزلية للمرضى من كبار
السن. ويتولى الأطباء والممرضون التابعون لـ«باتني»
الاتصال هاتفيا بالمرضى بانتظام لإجراء فحوص طبية.
وحال حاجة المريض إلى إجراء فحص سريري؛ يجرون
اتصالا بشركة التأمين، التي ترسل ممرضة إلى المريض
المعني. من جهته، شرح سانجيف كابور، رئيس شؤون
التعهيد داخل «باتني» أن «هذه الإجراءات تقوم على
المبادرة، بدلا من الاكتفاء برد الفعل»، موضحا
أنها ترمي إلى الحيلولة دون اشتداد علة المريض على
نحو يتطلب نقله إلى المستشفى. وقال «هذا الأمر أقل
تكلفة بالنسبة لشركة التأمين».
(نقلا عن " الشرق الاوسط" ) |