الهند...إنجازات على طريق التنمية
ليس صحيحاً ما يردده البعض من أن نجاحات
الهند توقفت عند صناعة المعلوماتية. فهذه الأخيرة
لئن أتت بالفعل في المقام الأول وازدهرت بصورة
خيالية جالبة معها الثروات المالية الضخمة للبلاد،
فإنه يوجد إلى جانبها أشياء أخرى عظيمة لا يُستهان
بها. ولنبدأ بما حققته الهند ولا تزال تحققه منذ
ثلاثة عقود من نجاحات باهرة في الصناعة الدوائية،
إلى الدرجة التي تستطيع معها أن تفتخر بتحقيق
الاكتفاء الذاتي من الدواء المعزز بأسعار هي
الأرخص في العالم. وكان أحد أسباب نجاح الأمة
الهندية في هذا الميدان سماحها في الستينيات
لشركات الأدوية متعددة الجنسيات أن تستوطن في
الهند، فكانت تلك العتبة الأولى، التي تطورت بعدها
صناعة الدواء الهندية إلى صناعة قوية معتمدة على
الذات يساندها دعم حكومي قوي في صورة تشريعات مثل
التشريع الخاص بمراقبة أسعار الأدوية، والتشريع
الخاص ببراءات الاكتشافات الصيدلانية، الذي يهدف
إلى تطوير الصناعة المحلية وتوفير بيئة آمنة
لازدهارها.
وتستعد صناعة الدواء الهندية اليوم
لمواجهة التحديات العالمية المقبلة ممثلة فيما
يشهده العالم من إعادة تنظيم هذه الصناعة، كي
تتوافق مع التطورات التكنولوجية وتطور بنية وحجم
الأسواق العالمية وظهور الابتكارات الحديثة
والاشتراطات البيئية، أو بكلام آخر ظهور الكيانات
الاندماجية العملاقة في سوق الدواء العالمي.
فتقريباً مثلا سيتحدث الناس عن صناعة صيدلانية
واحدة فقط بمعنى صناعة تقوم بإجراء أبحاثها في بلد
معين، وتطور هذه الأبحاث في بلد ثان، وتصنع موادها
الخام في بلد ثالث، وتصنع المنتج النهائي في بلد
رابع، هو الذي يوضع اسمه على المنتج.
بعيداً عن صناعتي المعلوماتية والدواء، حققت الهند
في العام الماضي إنجازاً حضارياً وعلمياً آخر
بنجاحها في إطلاق أول مركبة فضائية إلى القمر،
وذلك في خطوة تاريخية ستسمح لهذا البلد الصاعد
بمجاراة الصين واليابان، وتفتح مجال التنافس
معهما، خصوصاً وأن إطلاق المركبة تم بنجاح ودون
مشاكل فنية. إذ بعد عشرين دقيقة من الإطلاق وضع
الصاروخ الهندي المركبة التي يحملها في مدار
انتقالي حول الأرض، وذلك من أجل القيام بدراسات
وتجارب علمية لطبقات القمر وسطحه، وما قد يكون
فوقه من مياه ومعادن، ولا سيما عنصر الهيليوم
النادر على الأرض، والذي قد يلعب في المستقبل
دوراً مهماً كبديل للطاقة.
والحقيقة أن برنامج
الفضاء الخارجي الهندي منذ انطلاقته في عام 1988،
وضع لنفسه أهدافاً واضحة تمثلت في تمكين الأمة
الهندية من المراقبة المستمرة لثرواتها الطبيعية
ووضع الخرائط الدقيقة للتحولات المكانية والزمانية
لخصائص التربة وأساليب استخدام الأرض الزراعية
بمستوى دقيق لتحديد مواقع الغابات والموارد
الزراعية وأراضي المراعي ومناطق المحصول أو
المحصولين والأراضي البور، أو تلك القابلة
للاستصلاح، والأراضي المهملة، وإجراء مسوحات
لمواقع المياه الجوفية بدقة ومراقبة معدل هطول
الأمطار والثلوج السنوي، وتحديد الأنهار الجليدية
ومواعيد ذوبانها واندفاعها نحو الأنهار، فضلا عن
تحديد مساحات الفدادين وعطاءات المحاصيل الرئيسية
مبكراً، وبما يمكن معه وضع تصور مسبق للكم
التخزيني، ومستوى توزيع الحبوب الغذائية.
والصينيون بطبيعة الحال متفوقون على الهنود في
مجال الفضاء، لأنهم أرسلوا إلى الفضاء الخارجي
مركبة مأهولة في سبتمبر 2008، ثم حاولوا إعادة
الكرة مرة أخرى بهدف غزو القمر وبناء مختبرات
دائمة في الفضاء على النمط الروسي. وفي هذا السياق
يقول الهنود إنهم لا يريدون الدخول في منافسة من
هذا النوع مع الصينيين، وإن ما يهمهم هو التركيز
على الاستفادة القصوى من سوق إطلاق الأقمار
التجارية التي تقدر مبيعاتها خلال السنوات العشر
القادمة بنحو 125 مليار دولار. ولعل ما يغري الهند
بالتركيز على هذا المجال هو وجود طلب على خدماتهم
في هذا القطاع، لا سيما بعد تحقيقهم في أبريل 2008
لنجاح باهر تجسد في إطلاقهم لعشرة أقمار اصطناعية
(ثمانة منها أجنبية) بواسطة صاروخ هندي واحد لوضع
الأقمار في مدار وبكلفة تقل عن أسعار السوق بنحو
35 بالمئة، وقد عد هذا بمثابة انتصار للهند
لتحطيمها الرقم المسجل سابقاً باسم أحد الصواريخ
الروسية، والذي لم ينجح سوى في إطلاق ثمانية
أقمار.
والجدير بالذكر أن الهند أوجدت لنفسها
مكاناً مرموقاً في عالم إطلاق الأقمار الاصطناعية
للأغراض التجارية منذ عام 2002، أي حينما سمحت
حكومتها بمشاركة القطاع الخاص في هذا المجال،
الأمر الذي أغرى رجل الأعمال الهندي "موجال سوبهاش
تشاندرا " بتأسيس أول شركة أقمار اصطناعية هندية
خاصة، تحت اسم "أجراني" وبرأسمال قيمته 869 مليون
دولار. واستطاعت الأخيرة سريعاً، بفضل رأسمالها
وعلاقاتها ودخولها شريكة في كونسورتيوم للاتصالات
أن توجد لنفسها أقداماً راسخة في دول عديدة مثل
مملكة بوتان والنيبال وبنجلاديش ودولة الإمارات
العربية المتحدة، وذلك في مجال خدمات الاتصالات
والمعلومات والهواتف الخليوية ووسائل الإعلام
والترفيه.
من جهة أخرى، تشهد الهند وهي تحتفل بمرور 62 عاماً
على استقلالها تطورات مثيرة في صناعة مكونات
المركبات وتصميم موديلاتها ضمن سوق ينمو سنوياً
بنسبة 20 بالمئة منذ عام 2000، إذ بات يُنظر إلى
الهند اليوم باعتبارها إحدى الدول التي تحقق
واحداً من أكبر معدلات النمو على الصعيد العالمي
لصناعة السيارات بمعدل نمو مركب يصل إلى حوالي 9
بالمئة سنويًا. وقد ارتفع معدل مبيعاتها من
السيارات بنسبة 7.3 في المئة في عام 2002 ليصل
إنتاجها إلى نحو 770 ألف سيارة، ومن المتوقع أن
يرتفع هذا الرقم مع نهاية العام القادم إلى 1.5
مليون سيارة سنوياً. وكنتيجة لقيام كبريات شركات
السيارات العالمية الألمانية واليابانية
والماليزية بإنشاء وحدات صناعية لها في الهند،
صارت الأخيرة تلعب دوراً متزايداً كمركز لتصدير
العربات الصغيرة إلى الأسواق العالمية.
وقد واكب
كل هذه التطورات وهذا النمو السريع، نمو مواز في
صناعة قطع غيار المركبات التي وصل معدل النمو فيها
خلال العقد الماضي وحده إلى 21 بالمئة، مع توقعات
تشير إلى احتمالات حدوث نمو جديد بمعدل 9 بالمئة
خلال ما تبقى من العقد الأول من الألفية الثالثة
رغم أزمة الكساد العالمي.
المصدر: موقع جريدة " الاتحاد" الاماراتية
|